فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (7- 8):

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين} يعني قريش أو عيرهم، والعمل في إذ محذوف تقديره اذكروا {أَنَّهَا لَكُمْ} بدل من إحدى الطائفتين {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ} الشوكة عبارة عن السلاح، سميت بذلك لحدّتها، والمعنى تحبون أن تلقوا الطائفة التي لا سلاح لها وهي العير {أَن يُحِقَّ الحَقَّ} يعني يظهر الإسلام بقتل الكفار وإهلاكهم يوم بدر {لِيُحِقَّ الحق} متعلق بمحذوف تقديره: ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك، وليس تكراراً للأول؛ لأن الأول مفعول يريد، وهذا تعليل لفعل الله تعالى، ويحتمل أن يريد بالحق الأول الوعد بالنصرة، وبالحق الثاني الإسلام، فيكون المعنى أن نصرهم، ليظهر الإسلام، ويؤيد هذا قوله: ويبطل الباطل أي يبطل الكفر.

.تفسير الآيات (9- 10):

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} إذ بدل من إذ يعدكم، وقيل: يتعلق بقوله ليحق الحق أو بفعل مضمر واستغاثتهم دعاؤهم بالغوث والنصر {مُمِدُّكُمْ} أي مكثركم {مُرْدِفِينَ} من قولك ردفه إذا تبعه، واردفته إياه إذا أتبعته إياه. والمعنى: يتبع بعضهم بعضاً، فمن قرأه بفتح الدال فهو اسم مفعول، ومن قرأه بالكسر فهو اسم فاعل، وصح معنى القراءتين؛ لأن الملائكة المنزلين يتبع بعضهم بعضاً، فمنهم تابعون ومتبوعون {وَمَا جَعَلَهُ الله} الضمير عائد على الوعد، أو على الإمداد بالملائكة.

.تفسير الآية رقم (11):

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس} إذ بدل من إذ يعدكم أو منصوب بالنصر، أو بما عند الله من معنى النصر، أو بإضمار فعل تقديره: اذكر، ومن قرأ يغشيكم بضم الياء والتخفيف فهو من أغشى، ومن قرأ بالضم والتشديد فهو من غشّى المشدد، وكلاهما يتعدى إلى مفعولين فنصب النعاس على أنه المفعول والثاني، والمعنى يغطيكم به فهو استعارة، من الغشاء، ومن قرأ بفتح الياء والشين فهو من غشى المتعدى إلى واحد أي ينزل عليكم النعاس {أَمَنَةً مِّنْهُ} أي أمناً، والضمير المجرور يعود على الله تعالى، وانتصاب أمنةً على أنه مفعول من أجله. قال ابن مسعود: النعاس عند حضور القتال علامة أمن من العدو {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً} تعديدٌ لنعمة أخرى؛ وذلك أنهم عدموا الماء في غزوة بدر قبل وصولهم إلى بدر، وقيل: بعد وصولهم، فأنزل الله لهم المطر حتى سالت الأودية {لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} كان منهم من أصابته جنابة فتطهر بماء المطر، وتوضأ به سائرهم، وكانوا قبله ليس عندهم ماء للطهر ولا للوضوء {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} كان الشيطان قد ألقى في نفوس بعضهم وسوسة بسبب عدم الماء، فقالوا: نحن أولياء الله وفينا رسوله فكيف نبقى بلا ماء؟ فأنزل الله المطر، وأزال عنهم وسوسة الشيطان {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} أي يثبتها بزوال ما وسوس لها الشيطان وبتنشيطها وإزالة الكسل عنها {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام} الضمير في به عائد على الماء، وذلك أنهم كانوا في رمله دعصة لا يثبت فيها قدم، فلما نزل المطر تلبدت وتدقت الطريق، وسهل المشي عليها والوقوف، وروي أن ذلك المطر بعينه صعّب الطريق على المشركين فتبين أن ذلك من لطف الله.

.تفسير الآيات (12- 14):

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
{إِذْ يُوحِى} يحتمل أن يكون ذلك بدلاً من إذ المتقدمة كما أنها بدل من التي قبلها، أو يكون العامل فيه يثبت {فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ} يحتمل أن يكون التثبيت بقتال الملائكة مع المؤمنين أو بأقوال مؤنسة مقوية للقلب قالوها: إذا تصوروا بصور بني آدم أو بإلقاء الأمن في نفوس المؤمنين {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} يحتمل أن يكون من خطاب الله للملائكة في شأن غزوة بدر تكميلاً لتثبيت المؤمنين، أو استئناف إخبار عما يفعله الله في المستقبل {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} يحتمل أيضاً أن يكون خطاباً للملائكة أو للمؤمنين، ومعنى فوق الأعناق: أي على الأعناق، حيث المفصل بين الرأس والعنق لأنه مذبح، والضرب فيها يطيّر الرأس، وقيل: المراد الرؤوس، لأنها فوق الأعناق، وقيل: المراد الأعناق وفوق زائدة {كُلَّ بَنَانٍ} قيل: هي المفاصل، وقيل: الأصابع وهو الأشهر في اللغة، وفائدة ذلك أن المقاتل إذا ضربت أصابعه تعطل عن القتال فأمكن أسره وقتله {ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} الإشارة إلى ما أصاب الكفار يوم بدر، والباء للتعليل، وشاقوا من الشقاق وهو العداوة والمقاطعة {ذلكم فَذُوقُوهُ} الخطاب هنا للكفار، وذلكم مرفوع تقديره ذلكم العقاب أو العذاب، ويحتمل أن يكون منصوباً بقوله: فذوقوه، كقولك زيداً فاضربه {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ} عطف على ذلك على تقدير رفعه، أو نصبه، أو مفعول معه، والواو بمعنى مع.

.تفسير الآيات (15- 16):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}
{زَحْفاً} حال من الذين كفروا، أو من الفاعل في لقيتم، ومعناه متقابلي الصفوف والأشخاص، وأصل الزحف الاندفاع {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار} نهي عن الفرار مقيداً بأن يكون الكفار أكثر من مثلي المسلمين حسبما يذكره في موضعه {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ} أي يوم اللقاء في أي عصر كان {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} هو الكر بعد الفر ليري عدوه أنه منهزم، ثم يعطف عليه، وذلك من الخداع في الحرب {أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ} أي منحازاً إلى جماعة من المسلمين، فإن كانت الجماعة حاضرة في الحرب، فالتحيز إليها جائز باتفاق، واختلف في التحيز إلى المدينة، والإمام والجماعة إذا لم يكن شيئاً من ذلك حاضراً، ويروى عن عمر بن الخطاب، أنه قال: أنا فئة لكل مسلم، وهذا إباحة لذلك، والفرار من الذنوب الكبائر، وانتصب قوله متحرفاً على الاستثناء من قوله ومن يولهم، وقال الزمخشري: انتصب على الحال وإلا لغو، ووزن متحيز متفيعلا، ولو كان على متفعل لقال متحوز، لأنه من حاز يحوز.

.تفسير الآيات (17- 18):

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)}
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} أي لم يكن قتلهم في قدرتكم لأنهم أكثر منكم وأقوى، لكن الله قتلهم بتأييدكم عليهم وبالملائكة {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ يوم بدر قبضة من تراب وحصى ورمى بها وجوه الكفار فانهزموا، فمعنى الآية أن ذلك من الله في الحقيقة {بلاء حَسَناً} يعني الأجر والنصر والغنيمة {مُوهِنُ} من الوهن وهو الضعف، وقرئ مُوَهِّن بالتشديد والتخفيف وهو بمعنى واحد.

.تفسير الآيات (19- 23):

{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
{إِن تَسْتَفْتِحُواْ} الآية: خطاب لكفار قريش، وذلك أنهم كانوا قد دعوا الله أن ينصر أحب الطائفتين إليه، وروي أن الذي دعا بذلك أبو جهل فنصر الله المؤمنين، وفتح لهم، ومعنى: إن تستفتحوا: تطلبوا الفتح، ويحتمل أن يكون الفتح الذي طلبوه بمعنى النصر أو بمعنى الحكم، وقيل: إن الخطاب للمؤمنين {فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح} إن كان الخطاب للكافر فالفتح هنا بمعنى الحكم: أي قد جاءكم الحكم الذي حكم الله عليكم بالهزيمة والقتل والأسر، وإن كان الخطاب للمؤمنين، فالفتح هنا يحتمل أن يكون بمعنى الحكم، لأن الله حكم لهم، أو بمعنى النصر {وَإِن تَنتَهُواْ} أي ترجعوا عن الكفر وهذا يدل على أن الخطاب للكفار {وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ} أي أن تعودوا إلى الاستفتاح أو القتال نعد لقتالكم والنصر عليكم {وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو للأمر بالطاعة {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} أي تسمعون القرآن والمواعظ {كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} هم الكفار سمعوا بآذانهم دون قلوبهم فسماعهم كلا سماع {إِنَّ شَرَّ الدواب} أي كل من يدب، والمقصود أن الكفار شر الخلق، قال ابن قتيبة: نزلت هذه الآية في بني عبد الدار، فإنهم جدوا في القتال مع المشركين.

.تفسير الآيات (24- 27):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}
{لِمَا يُحْيِيكُمْ} أي للطاعة، وقيل: للجهاد لأنه يحيا بالنصر {يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} قيل: يميته، وقيل: يصرِّف قلبه كيف يشاء فينقلب من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان وشبه ذلك {فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} أي لا تصيب الظالمين وحدهم، بل تصيب معهم من لم يغير المنكر ولم ينه عن الظلم. وإن كان لم يظلم.
وحكى الطبري أنها نزلت في علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وطلحة والزبير، وأن الفتنة ما جرى لهم يوم الجمل، ودخلت النون في تصيبن لأن بمعنى النهي {إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ} الآية: أي حين كانوا بمكة وآواكم بالمدينة، وأيدكم بنصره في بدر وغيرها {لاَ تَخُونُواْ الله} نزلت في قصة أبي لبابة حين أشار إلى بني قريظة أن ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الذبح، وقيل: المعنى: لا تخونوا بغلول الغنائم ولفظها عام {وتخونوا أماناتكم} عطف على لا تخونوا أو منصوب.

.تفسير الآيات (29- 31):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
{الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} أي تفرقه بين الحق والباطل، وذلك دليل على أن التقوى تنوِّر القلب، وتشرح الصدر، وتزيد في العلم والمعرفة {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ} عطف على إذ أنتم قليل، أو استئناف، وهي إشارة إلى اجتماع قريش بدار الندوة بمحضر إبليس في صورة شيخ نجدي الحديث بطوله {لِيُثْبِتُوكَ} أي ليسجنونك {قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا} قيل: نزلت في النضر بن الحارث؛ كان قد تعلم من أخبار فارس والروم، فإذا سمع القرآن وفيه أخبار الأنبياء قال لو شئت لقلت مثل هذا، وقيل: هي في سائر قريش {أساطير الأولين} أي أخبارهم المسطورة.

.تفسير الآيات (32- 35):

{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)}
{وَإِذْ قَالُواْ اللهم} الآية، قالها النضر بن الحارث أو سائر قريش لما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا على أنفسهم إن كان أمره هو الحق، والصحيح أن الذي دعا بذلك أبو جهل رواه البخاري ومسلم في كتابيهما، وانتصب الحقَ لأنه خبر كان.
وقال الزمخشري: معنى كلامهم جحود أي: إن كان هذا هو الحق فعاقبنا على إنكاره، ولكنه ليس بحق فلا نستوجب عقاباً، وليس مرادهم الدعاء على أنفسهم، إنما مرادهم نفي العقوبة عن أنفسهم. {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي لو آمنوا واستغفروا فإن الاستغفار أمان من العذاب قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب وهما وجود النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم ذهب الأمان الواحد، وبقي الآخر، وقيل: الضمير في يعذبهم للكفار، وفي وهم يستغفرون للمؤمنين الذين كانوا بين أظهرهم {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} المعنى أي شيء يمنع من عذابهم وهم يصدون المؤمنين من المسجد الحرام والجملة في موضع الحال، وذلك من الموجب لعذابهم {وَمَا كانوا أَوْلِيَآءَهُ} الضمير للمسجد الحرام أو لله تعالى {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} المكاء: التصفير بالفم. والتصدية: التصفيق باليد. وكانوا يفعلونها إذ صلى المسلمون ليخلطوا عليهم صلاتهم.

.تفسير الآيات (36- 37):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)}
{يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} الآية نزلت في إنفاق قريش في غزوة أحد وقيل: إنها نزلت في أبي سفيان بن حرب، فإنه استأجرالعير من الأحباش فقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد {تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} أي يتأسفون على إنفاقها من غير فائدة أو يتأسفون في الآخرة {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} إخبار بالغيب {لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} معنى يميز: يفرق بين الخبيث والطيب: ما أنفقه المؤمنون، واللام في ليميز على هذا تتعلق بيغلبون، وعلى الأول بيحشرون {فَيَرْكُمَهُ} أي يضمه ويجعل بعضه فوق بعضه.

.تفسير الآيات (38- 39):

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)}
{إِن يَنتَهُواْ} يعني عن الكفر إلى الإسلام لأن الإسلام يَجُبّ ما قبله، ولا تصح المغفرة إلا به {وَإِنْ يَعُودُواْ} يعني إلى القتال {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} تهديد بما جرى لهم يوم بدر وبا جرى للأمم السالفة {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} الفتنة هنا الكفر، فالمعنى قاتلوهم، حتى لا يبقى كافر، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله».

.تفسير الآية رقم (41):

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)}
{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} لفظه عام يراد به الخصوص، لأن الأموال التي تؤخذ من الكفار منها ما يخمس: وهو ما أخذ على وجه الغلبة بعد القتال، ومنها: ما لا يخمس بل يكون جميعه لمن أخذه، وهو ما أخذه من كان ببلاد الحرب من غير إيجاف، وما طرحه العدو خوف الغرق، ومنها: ما يكون جميعه للإمام يأخذ منه حاجته، ويصرف سائره في مصالح المسلمين وهي الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} الآية: اختلف في قسم الخمس على هذه الأصناف فقال قوم: يصرف على ستة أسهم سهم لله في عمارة الكعبة، وسهم للنبي صلى الله عليه وسلم في مصالح المسلمين، وقيل: للوالي بعده: وسهم لذوي القربى الذين لا تحل لهم الصدقة، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
وقال الشافعي: على خمسة أسهم، ولا يجعل لله سهماً مختصاً، وإنما بدأ عنده بالله، لأن الكل ملكه، وقال أبو حنيفة على ثلاثة أسهم: لليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وقال مالك الخمس إلى اجتهاد الإمام يأخذ منه كفايته ويصرف الباقي في المصالح {إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله} راجع إلى ما تقدم، والمعنى: إن كنتم مؤمنين فاعلموا ما ذكر الله لكم من قسمة الخمس، واعملوا بحسب ذلك ولا تخالفوه {وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم والذي أنزل عليه القرآن والنصر {يَوْمَ الفرقان} أي التفرقة بين الحق والباطل وهو يوم بدر {التقى الجمعان} يعني المسلمين والكفار.